
20/10/2016
في كل مرة يتقدم أحدهم بسؤالي “حضرتك أم إيش؟”
أتخيل وجه ابنتي الكبرى ماريا وأنا أجيبهم: أم عمر، وانتظر سؤالها لماذا أم عمر؟
وليس أم ماريا؟ ألست أنا الأكبر؟ وفي ثنايا جوابي بأنني أم أولاد زوجي وحسب، إنني
كإنسانة غير موجودة، خاصة في الاجتماعات العائلية عندما تنسب كل امرأة إلى زوجها
بحجة احترامها، حتى لا تنادى باسمها مجردا أو خجلا من ذكر اسمها أصلا. أو على
دعوات الأعراس عندما تذكر العروس باسم “كريمته” مع أن هدف العرس شرعا هو
الإشهار.
ولا يخفى على أحد أن اسم الإنسان منذ الولادة هو أهم ما يميزه طيلة حياته، فما بالك بالمرأة عندما تضطر أن تتخلى عن اسمها عندما تعرف عن نفسها بعد الزواج! وأنوّه هنا أنني لا أتكلم عن تغيير الاسم رسميا في الهويات الشخصية والأحوال المدنية، فهذا أمر مفروغ منه حتى شرعا الفقهاء لا يجيزونه. مع أن هناك الكثير من الدول التي تفرض على المرأة بعد الزواج تغيير اسمها إلى اسم زوجها بالعرف والعادات. أو أن يضاف اسمه إلى اسمها، وهذا ما يجعل موضوع الطلاق صعبا. لكني أتحدث هنا عن عادات وطرق حياة نعيشها كل يوم في مجتمعاتنا العربية التي تعودت على أن تسمي المرأة على اسم ابنها وعائلته، فيقال أم فلان الفلاني وهكذا.
لم يسبق وأن قرأت في كتب التاريخ والسير أن امرأة حتى في الجاهلية كانت تسمى باسم ابنها أو زوجها، فكما نسمع عن هند بنت عتبة وآسيا وبلقيس. ناهيك عن التاريخ الإسلامي، كل الصحابيات اللواتي وصلت إلينا أخبارهن وصلت بأسمائهن مجردة، خديجة رضي الله عنها بقيت خديجة وهي أحق الناس ولها الفخر كل الفخر أن تسمى على اسم زوجها أو ابن زوجها صلى الله عليه وسلم. لكن هذا لم يحدث. فاطمة رضي الله عنها لم اقرأ أبدا أنها سميت يوما بأم الحسن، وإن ذكرت كذلك فهي ذكرت صفة لها وليس لقبا أو تعريفا بها. حتى أم عمار بن ياسر كلنا نعرف أن اسمها سمية. وأسماء بنت أبي بكر وعائشة والشفاء.. وغيرهن الكثيرات.
إن الإسلام هو أفضل من كرم المرأة وحفظ لها كينونتها
وفرض احترامها. وهذه العادة ليست عربية ولا إسلامية، وإنما غربية مسيحية بحتة! فقد
كان الغرب يسمي المرأة بعد الزواج على اسم زوجها ولكن هذه الظاهرة بدأت بالانحسار
شيئا فشيئا، فبتنا نسمع أن المرأة بعد الزواج تبقي على كنيتها الأصلية. وتعود جذور
الظاهرة إلى القرن التاسع عشر والقانون الخاص بالمرأة المتزوجة أنها بعد الزواج تصبح
تابعة ومملوكة للرجل حتى أن اسمها يصبح على اسمه، والعديد من بنود هذا القانون
بقيت سارية في بعض الولايات الأمريكية حتى العام 1979.
في أمريكا حسب دراسة أقامتها نيويورك تايمز في 2015 كانت نتيجتها أن ٣٠٪ فقط من النساء الآن يحتفظن بأسمائهن بعد الزواج، وأن نسبة النساء اليهود اللواتي يحتفظن بأسمائهن أعلى من النساء الكاثوليك المسيحيين
إن تسمية المرأة على اسم زوجها
أو ابنها هو ظلم لها ومسح لكينونتها. أما تسمية الأم أو الأب على اسم الابن الذكر
تفضيلا له على الإناث فهذا ظلم آخر أشد. ناهيك عن النساء اللواتي يضفن اسم عائلة
أزواجهن بعد اسم عائلتهن تحضرا وأسوة بالغرب الذي بدأ يتراجع الآن عن هذه الظاهرة
ويعتبرها ظلما للمرأة ودليلا على التخلف والرجعية، أن أينكن من حقوق المرأة
والحضارة؟ لذلك فإنني عندما يسألونني: “حضرتك أم إِيش؟؟” أجيب: أنا مريم
دجاني. عندي ماريا وعمر.