
11/1/2017
نظرة
عابرة لأي امرأة في الطريق تكفي لتقول ما الذي يجبر المرأة على كل هذا العذاب؟
الكعب العالي المرهق، المكياج، الشعر المصفف، الملابس وما أدراك ما الملابس: غير
المريحة وغير العملية. ناهيك عن حمى التسابق في شكل الملابس، وصدقوني أنا لا أتحدث
عن أسابيع الموضة في ميلان ونيويورك، جولة بسيطة على الإنستغرام للفتيات العربيات
المسلمات وحتى المحجبات تكفي.. لكن السؤال الحقيقي هو لماذا تولي المرأة اهتماما
كبيرا لشكلها؟ وتصرف الكثير من الوقت والمال على ذلك؟
التبرير
البسيط الذي يستخدمه الإعلام هو الكمال، فتتربى المرأة منذ طفولتها على الصور
النمطية للكمال الجمالي التي تضع مقاييس الجمال والتي تطورت إلى صناعات قائمة
بذاتها وأسواق استهلاكية من الأزياء والمنتجات الشخصيىة والحميات الغذائية التي
تضطر المرأة لمواكبتها. وحتى لو كان معظمها فاشلا كنتيجة، فقد أصبحت المرأة مبرمجة
على أن تعيد الكرة مرات ومرات دون كلل أو ملل، حتى تتحول حياتها إلى محاولات
للوصول إلى الكمال الشكلي ليس إلا. وكل من يحاول أن يتنكّر لهذا الوضع يصطدم في
المجتمع، فهل يمكنك أن تفكر بأميرة ديزني قبيحة؟ أو فتاة ذات وزن أعلى من المتوسط
كبطلة لفيلم هوليوود تظفر بالرجل الأفضل؟ لكن هل سنلقي الملامة كالعادة على
هوليوود والإعلام فقط، وننسى أن الرجل والمجتمع شريكان في هذا؟
تقول مؤلفة كتاب أسطورة الجمال، نعومي
وولف، أن حمى جمال المرأة في العصر الحديث هو نتاج الثورة الصناعية وحركات تحرير
المرأة. فعندما انتقل الرجال إلى المصانع بعد الثورة الصناعية لتأمين لقمة العيش
لعائلاتهم، أجبرت المرأة بشكل أو بآخر على الانهماك في عالم مختلف هو الاهتمام
بالمنزل والأطفال وتلبية حوائج الرجل. وعليها تطورت التكنولوجيا والمفاهيم
الاستهلاكية، فخرجت الإعلانات التجارية من أجل المنتجات التي تحتاجها المرأة
للاهتمام بالمنزل ليصبح أفضل، بدءا من مواد التنظيف وملمعات الأرضيات وغيرها. وبقي
هذا النمط سائدا حتى منتصف القرن الماضي، وهو أن النجاح الفعلي للمرأة هو في بيتها
النظيف وأرضياته الملمعة، فكانت الإعلانات والإعلام يوجهان العقل الاستهلاكي إلى هناك.
ثم ظهرت حركات تحرير المرأة عند
الغرب، فكان من الصعب الاستمرار بالتسويق حول الاهتمام بالمنزل فحسب، فتم تغيير
الوجهة بدل منتجات العناية بالمنزل إلى منتجات العناية الشخصية، ومن مطابخ النساء
إلى أجسادهن. وكنتيجة، أصبحت صناعات الحميات الغذائية والاهتمام بالجمال هي
المحدّد الجديد لثقافة المرأة وتحضرها. وعليه فعندما حاولت حركات تحرير المرأة
إخراجها من دائرة العناية بالمنزل دخلت في دائرة العناية بالجمال، وفي الحالتين
المستفيد هو الشركات الصناعية لتربح أكثر، والرجل ليبقي المرأة بعيدا عن مواقع
القوة واتخاذ القرار.
ففي كل مرة ترفع فيها المرأة قلم أحمر
الشفاه لتضع منه على شفتيها، أو تضع شوكة بها قطعة من الحلويات وتصرف النظر عن
تناولها، هي تثبت هذ التأثير وهذا النمط. وهي بالمقابل ترمي بكلام والدتها الذي
تربت عليه عرض الحائط، -ذلك الذي نتمنى لو أننا نستطيع تصديقه- وهو: الجوهر أهم
وأدوَم من المظهر!
لماذا تبدأ الفتيات منذ الصغر بوضع
طلاء الأظافر الوردي الذي يلمع؟ لماذا على كل امرأة أن تحمل همّ شعرها وجماله؟ هل
حقا يتم التلاعب بنا من قبل الشركة الذكورية الكبرى لتحصد أرباحها من سطحيتنا؟ أم
أننا مجبولات على شيء فطري عميق وأساسي في داخلنا كنساء؟ شيء يبقى يدفعنا لمحاولة
أن نكون الأجمل والأكمل؟ أو ربما يكون الجمال قوة، كما لبعض النساء! فالمرأة لا
تحاول أن تنقص من وزنها أو أن تقلل من تجاعيدها لترضي الرجل وحسب، بل ربما لأنها
تحب أن تبدو بشكل أفضل عندما تنظر لنفسها كما تحب أن ينظر إليها الرجل، وتحب أن
تحسدها النساء.
لكن المشكلة أن كل هذا يستنفد المرأة
تدريجيا. ففي أي يوم عادي للمرأة، هي تنفق ١٠ دقائق على أقل تقدير لوضع المكياج،
ثم ١٥ دقيقة إن كانت غير محجبة لتصفف شعرها- تستطيعون أن تضيفوا هذه النقطة لفوائد
الحجاب- ثم جلسة اهتمام بالأظافر مرة كل أسبوعين لمدة ٢٠ دقيقة. ثم جلسة
لإزالة الشعر الزائد من الجسم لمدة ساعة شهريا مع كم هائل من الألم. ثم الذهاب إلى
صالون لقص الشعر والصبغ كل ستة أسابيع. ناهيك عما تقوم به من جراحات تجميلية أو
إبر بوتكس وتعبئة لوجهها. على الجانب الاخر، يقوم الرجل الوسيم بالحلاقة الصباحية
يوميا، وإن كان بلحية فواسعده! والذهاب إلى صالون الحلاقة مرة في الشهر لمدة ٢٠
دقيقة.
مع قليل من الرياضيات في نهاية السنة:
تكون المرأة قد أنفقت ٢٨٢ ساعة للاهتمام بشكلها، بينما كل الرجال الذين نتزوج منهم
وندرس معهم في الجامعة وننافسهم في أماكن العمل يحتاجون ٣٠ ساعة فقط سنويا. ومن ٤٠
عاما تكون المرأة قد استهلكت ٥ سنوات لتبدو مقبولة في عيون من حولها. ولا يجب أن
ننسى الوقت الخاص للتسوق، بالإضافة إلى الوقت اليومي المستقطع من أجل تنسيق
الملابس حسب الألوان والتصاميم لتبدو أنيقة! وكنتيجة لذلك فإن أي امرأة منصفة
ستقول: ما الذي يجبرنا على فعل كل هذا لأنفسنا؟ لا داعي للمبالغة في الاهتمام
بالجمال.
لكن إن نظرنا إلى النساء في المجتمع، في شتى المناصب من الوزارات والبنوك إلى إدارة الشركات والمنظمات، بل وحتى ربات المنازل ومعلمات المدارس وموظفات الدوائر الحكومية، تجد شعرها مصففا، وأظافرها مطلية، ومهتمة بشكلها وجمالها بشكل واضح. لا يمكن أن يكون هذا بسبب الإعلإم والرجال وحسب، إننا كنساء نفعل هذا لأنفسنا. نحن اللواتي ما زلنا نَقرِن النجاح بالجمال والنحافة، بل والبياض أيضا. وأعرّج هنا على عقدة الرجل الأبيض منذ الأزل.
ربما الجمال مثل الحب والجنس، يدغدغ
رغبة داخلية تتجاوز المنطق. وربما هو محاولة للوصول إلى الخلود والقرب من الكمال
والألوهية! نحن لسنا نتحدث عن مقاييس محددة للجمال لأنها تتغير -فكما كانت المرأة
الممتلئة في العصور الوسطى هي الأجمل لأنها من الطبقات الغنية على عكس النحيلات
الفقيرات، أصبحت النحافة الآن دليلا على الجمال- أما الرغبة في الجمال فهي ثابتة.
و أخيرا علينا أن نميز بين الكمال
الكاذب الذي نراه على الشاشات وفي المجلات، ذلك الهوس الذي يدفع النساء إلى دفع
الأموال واستخدام ما هو غير صحّي ليصلن إليه، وبين الجمال البسيط الطبيعي الذي
يعكس الصحة الجيدة والذي يعطي المرأة الشعور بالرضا عندما تنظر إلى نفسها في
المرآة. هذا الجمال الحاضر في كل درجات البشرة وألوان العيون وأحجام الجسد وملامح
الوجوه وفي كل الأعمار!
لهذا، دعوني أستيقظ صباحا لأغسل وجهي،
وأرتدي ملابسي المريحة المعتادة، ذاتها التي لا أحب أن أغيرها كثيرا، وأضع حجابي
البسيط وحذائي الرياضي المنخفض وأخرج إلى اجتماعي. بدون مكياج وبدون أن أفكر ساعة
ماذا ألبس اليوم وما لون الحجاب المتناسق مع الملابس، بدون الحذاء العالي المرهق.
أريد أن أكون كما أنا، وأريد أن
تتقبلوني بدون أية أحكام مسبقة، كنتم رجالا اعتدتم على نساء يبالغن في إظهار
الجمال، أو نساء لا تحتملن النظر إلى وجوهكن في المرآة بدون مكياج.