7/4/2017
في
كل مرة كنت أودع ابني عند إيصاله إلى الحضانة العام الماضي، كنت أشعر بقلبي يتدحرج
بين قدمي ليركض أمامي عله يلحق بخياله و هو يغيب عن ناظري، سعيدا غالبا أو حزينا
على فراقي. فأن تنجبي طفلا، يعني أن تجعلي قلبك يمشي بقدمين، لا تدري بأي أرض يهيم!
هذا العذاب اليومي، و تلك الحالة
النفسية الغير سوية، تمر بها ملايين النساء يوميا.
صراع عنيف كان يدور في خلدي: أن أضرب
بكل شيء عرض الحائط، و أن أعود فأتلقف ابني و أضمه الي صدري حتى يدخل بين أضلعي و
أعيده إلى داخلي حيث أءمن و أدفأ مكان في العالم، حيث لا كلمة تقتل أو نظرة تجرح،
حيث روحي تغلف روحه!
توطن كل أم عاملة قلبها على أن تبلع
تلك الجمرة كل يوم..
أدخلت ابني الروضة و هو في عمر العام
و نصف و أخرجته بعد سنة. و سأبقيه معي عاما اخر -مع أنني صاحبة عملي- فلا شيء في
الدنيا كلها كان يستحق أن أفوت تأتأته البريئة، و أولى تجاربه، و التكور بدفء تحت
السرير في الصباح و يديه الناعمتين تمران على وجهي.
عزيزتي، من أجل ماذا ستخرجين طفلك من
عشك الدافئ، إلى البرد و المرض و العالم الكبير قبل الثلاث سنوات، ليقضي ٨ ساعات
يوميا بعيدا عنك، و أنت في وظيفتك؟
صدقيني، لا شيء يعادل ضحكاته البريئة،
و تكون شخصيته أمامك و تعلمه الكلام منك. هل تطيقين أن يفوتك أول مرة يشكل بها
جملة، أو يرمي بها الكرة، أو يرسم تفاحة؟ أن تكوني معه عند شعوره بالحزن و الغضب،
لتعلميه كيف يتجاوزهما، و أن تدمني لمعة عينيه عند فرحه!
اعذريني، سأتحدث هنا عن حقوق الطفل في
الحب و الأمان و الرعاية فهي أهم من حقوق المرأة في العمل و إثبات الذات في هذه المرحلة.
و كلنا نعرف أن نسبة إبداع الطفل تكون في أعلى مستوياتها خارج المدرسة، و شخصيته
تتكون قبل الخمس سنوات.
قفي أمام الجميع لتعلني أن طفلك أهم
من النقود و من الكماليات و من المظاهر. لكن ما أن يدخل طفلك المدرسة و يتجاوز
الأربع سنوات، و يكون قد عبأ مخزنه من الحب و الأمان، عودي مرة ثانية إلى سوق
العمل إن أردت، و أشدد هنا على إن أردت. لأن الذي وضع أسس و قواعد عالم العمل هم
الذكور الذين لا يعرفون و لا يقدرون. هم ذاتهم الذين يعودون من العمل متعبين حتى
لو كانوا جالسين خلف مكاتبهم . ليجلسوا على المقاعد في بيوتهم ليحاسبوك على وظائفك
في المنزل الغير واجبة عليك. فيكفي المرأة شرف و جهد الحمل و الولادة، فما بالك
بالرضاعة و السهر و التربية و تحمل المسؤولية، إلى جانب أشغال المنزل؟ ففي اللحظة
التي تحمل فيها المرأة بطفلها الأول تختلف حياتها كليا إلى الأبد، أما الأب فعادة يحمل
هذا الهم تدريجيا بالتعود و الممارسة.
فإن كان سوق العمل لايحترمك كامرأة و
لا يفتأ يبدي طمعه و جشعه في استهلاكك حتى آخر نفس، و يغض الطرف عن كونك امرأة
بيولوجيا، خلق الله جسمك بمواصفات خاصة لتستطيعي الحمل و الولادة و الرضاعة و
الرعاية في السنوات الاولى لطفلك، إن كان سوق العمل يرمي بكل هذا عرض الحائط، أقول
لك بالفم الملآن: إن أسواق العمل لا تستحقنا نحن النساء! نحن نمنحهم جهدنا و تعبنا
و ولاءنا، و هم لا يفهمون فكرة أن الدورة الشهرية تكون متعبة و مرهقة لا تكونين
فيها طبيعية على أبسط تقدير. هم ينتزعونك من طفلك و عمره ٣ أشهر، و أنت خارجة من
عملية قيصرية لتعملي في امبراطورياتهم، لتركضي في مسار الفأر، أو يرموك خارجه إن
تباطأت.
يريدونك أن تجمدي بويضاتك حتى سن
الأربعين ثم تنجبين الأطفال، بعد أن يستهلكك المجتمع و تستعملك الشركات الذكورية
لتربح على ظهرك.
يريدون أن يحرموك متعة الأمومة و
حلاوة إنجاب الاطفال في شبابك لتكبروا معا، بحجة إثبات الذات و النجاح. و كأنك كأم
لست بذات قيمة تذكر، لأنك لا تخدمينهم. و لأنهم هم من يقيمون إنجازاتك و نجاحاتك.
فأرجوك، اغمري اطفالك حتى يتجاوزوا
الثلاث سنوات، ثم أرسليهم الى المدرسة.
لا تحرميهم منك من أجل مال زائل أو
منصب مغر. أنا اعرف جيدا أن عودتك الى سوق العمل ستكون صعبة جدا، و أكرر في عالم
أعمال ذكوري لا يأخذ بعين الاعتبار أن المرأة تختلف عن الرجل في طبيعتها . و ينسى
أن وجودها معه سيثريه، بمهارتها و ذكاءها، ليطور الشركات و المؤسسات . فهناك أكثر
من دراسة أثبتت أن زيادة تمثيل المرأة في المناصب العليا في المؤسسات و الشركات
تزيد من أداءها العملي و إنتاجيتها بنسب ملحوظة. فالمرأة قائد فطري، و هي قمة في
العملية و مهتمة بالتفاصيل، متعددة المهام و ممتازة في التواصل الاجتماعي و مهارات
الاتصال. ولديها ولاء و انتماء أكثر من الرجل.
ستسألينني: ما الحل إذا؟ ماذا أفعل
بطاقتي، و قدرتي و مهاراتي كامرأة و أنا أرعى أطفالي و هم صغار؟
أنا أقول لك: كوني مبتكرة، فكري بفرص
جديدة خارج الصندوق، لا تكونين فيها عبدة للشركات الذكورية، و ستجدين أنك تستطيعين
فعل الكثير. خاصة مع الانفتاح في العالم و وجود الانترنت و وسائل التواصل
الاجتماعي. ستستطيعين أن تمارسي ما تحبين، و أن تطوري نفسك، و أن تدرسي، بل و أن
تحصلي على مردود مادي أفضل، لتحققي استقلالك المادي، لكن بشروطك أنت، حسب راحتك و
راحة أطفالك!
فاسألي نفسك لتتأكدي من صواب قراراتك،
هل عملك يستحق هذا الصراع و تلك التضحيات؟؟ هل تحققين فيه ذاتك؟؟ و هل يقدرون
مواهبك و خبراتك؟؟ و هل تساهمين في تنمية المجتمع بشكل ايجابي كما تبررين لنفسك
دائما؟؟ هل لديك هدف واضح و رؤية مستقبلية؟ هل أنت مرتاحة في عملك؟ هل هو حقا لا
يؤثر على أطفالك و رعايتهم؟ أم أنك تعملين كآلة فحسب من أجل الكسب المادي و لقمة
العيش أو البهرجة الاجتماعية؟
بالله عليك أجيبيني، حتى متى ستتحملين
الشعور بالذنب الذي لا يفارقك و لا يبرح حتى يحرق جوفك، ذلك الذي لا تفتئين
تحاولين تخديره بتبريراتك الواهية لنفسك؟ من يستحق كل هذا الجهد الجبار و الصراع
اليومي من فوضى المشاعر ؟
من لديك أغلى من طفلك في سنواته
الأولى؟؟