16/6/2020
سلسلة مقالات عن فلسفة الجمال وتسليعها.
جمال أسود (٢)
هناك دراسة مشهورة أجراها عالما النفس كينيث كلارك ومامي فيبس كلارك في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، ما يسمى باختبار الدمى. حيث قاموا بدعوة أطفال إلى وصف دمى مختلفة. قام معظم الأطفال السود على امتداد أمريكا بوصف الدمى السوداء والسمراء على أنها قبيحة، ووصفوا الدمى البيضاء على أنها جميلة ونظيفة. وكذلك كان تعريف أوروبا للون الأسود على أنه قبح فإن ذلك بسبب تاريخ طويل ومعقد. فقد كان من ضمن سياق الاستعباد الحديث في أمريكا كما ذكر المؤرخ ستيفاني كامب، وتم التعميم على اعتبار الأفارقة والسود قبيحين.
فمع توسع تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، وبناء مستعمرات العالم الجديد المعتمدة على الأفارقة المستعبدين، أنشأ الأوروبيون النظريات للإساءة إلى ثقافة وجمال المنحدرين من الأصل الإفريقي لتبرير استعبادهم واستغلالهم. وذلك من خلال تحديد الاختلافات الثقافية والسمات الجسدية مثل لون البشرة ونوع الشعر، وهكذا قام الأوروبيون بالتمييز ضد الأفارقة على أنهم مختلفون بشكل غريب، وأنهم أدني من الجنس الأبيض، وأن مواصفاتهم الجسدية تجعلهم مؤهلين بشكل طبيعي للعبودية. فعلى سبيل المثال، القوالب النمطية للمواصفات الجسدية للنساء السود تعتبر مثيرة للرغبة الجنسية وبالتالي هي تعتبر عذر كافي للرجال البيض للاعتداء الجنسي على النساء السود.
ومن الواضح أن الهجوم الأبيض على الجمال الأسود لم يكن فقط على المستوى الفلسفي وحسب بعيدا عن الحياة اليومية، فقد كان يقوم السادة البيض بحلق شعر عبيدهم السود من الرجال والنساء والأطفال بشكل روتيني في تعبير صريح عن كرههم للشعر الأسود.
وكانت كتب وأناشيد الأطفال منذ القرن التاسع عشر تسخر من الشعر الأسود على أنه مثل صوف الحيوانات، و قد تم تطوير تصنيف ثنائي يفصل الشعر إلى جيد وسيء، والجيد هو ذلك المفرود الذي يحتوي على ثنيات ولفائف أقل، في تقليل من جمال الشعر الأسود. وكذلك إعلانات الوظائف للفتيات الجذابات ذوات الشعر الجيد، ورفض الفتيات ذوات البشرة الداكنة والشعر الكثيف الذي يمكنني وصفه بالمتمرد الحر. إن كل هذه المعايير للجمال ليست عبثية، فإن المثل العليا للجمال تؤثر على القدرة على كسب الرزق. مثل الاستعمار والعبودية الذي تم فيه خلق الثنائيات مثل السوداء والبيضاء، القبيحة والجميلة، فتتشابك مثل الجمال العنصرية مع الحرمان الاقتصادي والسياسي للسود.
على الرغم من أن دراسة اختبار الدمى معروفة، إلا أن القليل يناقش حقيقة أن ليس كل الأطفال وصفوا الدمى البيضاء بالجميلة والسوداء بالقبيحة، معظمهم فعل ذلك ولكن ليس كلهم، وهذا يثبت أنه وبعد مئات السنين من محاولة السود من التكيف لاستيعاب ما حاول الأوروبيون البيض إقناعهم بأنهم قبيحون، لم يصدقهم الجميع.
فكيف استطاع السود مقاومة تمحور الجمال حول المقاييس الأوروبية؟ في الماضي، كان هناك اعتراف بالجمال الأسود لكن بشروط خاصة. فكان حلق الشعر للعبيد يعتبر عقابا على سبيل المثال، وهذا نشأ جزئيا بسبب أهمية الشعر كتعبير عن الذات والهوية. فقد كانت تسريحات الشعر السوداء فريدة من نوعها خلال الرق لدرجة أن وصف الشعر كان أساسيا بين ميزات العبيد عند الإعلان عنهم أو استعادة الهاربين منهم. كتضفير الشعر بشكل أنيق، أو لفه، أو التصفيفات الطويلة، وغيرها. فقد كان السود يستمتعون بامتلاكهم لشعرهم الكثيف الذي يمكنهم من تقطيعه إلى حارات وحدائق على رؤوسهم.
لم يكن الشعر الأسود المجعد سببا للتضفير والتجديل واللف وغيرها من وسائل التصفيف فحسب، بل أيضا كان فنا بحد ذاته وطريقا للحب والقبول، كما قالت الشاعرة الأمريكية السوداء شيريل كلارك. فقد كان الوقت الطويل اللازم للعمل الفني في الشعر يخلق مساحة للحوار والترابط والحميمية خاصة بين الأبوين والطفل، وأيضا مساحة لتبادل الأفكار و رواية القصص وهم يصممون وينفذون الأعمال الفنية في شعور بعضهم.
(ضد حرب التشابك) كما قالت كلارك، ( كانت تعلمني الفن، وتعطيني النصائح، وتعملني اللغة، جعلتني أحب شيئا عن نفسي).
وضح عالم الاجتماع جورج ويليامز في السبعينات من القرن الماضي بشكل أكثر وضوحا التأثير الإيجابي للجهود الواعية لإعادة تعريف الشعر الأسود على أنه جميل. فقد كان مهتما لمعرفة إذا كان موقف السود تجاه شعرهم وجمالهم قد تغير منذ بحث كلاركس في الثلاثينيات وكيف تغير ذلك، وخلص إلى وجود ثورة فخر ثقافية سوداء، تم التعبير عنها من خلال العديد من الحركات مثل القوة السوداء والجارفية التي أسسها الجامايكي ماركوس جارفي والراستفارية، وكذلك تأثير الرموز الثقافية مثل جيمس براون وميلبا ميللر الذي أعلن في كتابه الجمال الأسود الحرب ضد الشعر المستقيم الأملس وأحدث ثورة في تصور السود حول العالم. وكذلك السود أنفسهم الصغار والكبار الذكور والإناث آمنوا أخيرا أن الجمال يمكن أن يكون أسود البشرة والشعر.
ويوضح التراجع المطرد في بيع مملسات الشعر وزيادة الطلب على منتجات العناية بالشعر الطبيعية إلى فكرة أن السود أنفسهم وجزء من المجتمعات بات يؤمن بأن الجمال ليس محصورا بمعايير الجمال الأبيض الذي حكم التاريخ طويلا وما يزال.
إن مفهومنا للجمال مستعمر. فعندما نفكر في سبب جمال شخص ما، نكتشف أن ملامحه تتوافق مع معايير الجمال الغربية، حتى عندما استطعنا مؤخرا وصف امرأة سوداء بأنها جميلة فإنها عادة ما تكون ملامحها أقرب إلى الرجل الأبيض، من أنف صغير وعيون كبيرة.
كبداية فإن الكثير من معايير الجمال الغريبة مرتبطة بالبيض، لا نتحدث هنا عن البيولوجيا والتطور، مجرد كون الشخص أبيضا هو سبب كاف لوحده لأن نعتبره جميلا. وإذا عدنا ونظرنا إلى أعمال بعض المنظرين العنصريين الأوائل مثل كريستور ماينرز و يوهان بلومنباخ، فهم قد حددوا فئة (الأبيض) أو (القوقازي) على أنها أجمل الأجناس البشرية.
وكما يقول ارفين بينتر وهو فنان ومؤرخ كتب في تاريخ الشعب الأبيض: كان من المهم أن يكون هؤلاء المنظرون العنصريون متفوقين في جميع المجالات.
وإن مجموعة الأكاديميين الذين أوجدوا هذه الفئات والخواص العرقية كانوا من المتفوقين البيض، لذا لم يرغبوا فقط في أن تكون نساؤهم الأجمل ورجالهم الأذكى فقط، بل وأن يكون لدى بلدانهم أفضل السياسات. لقد أرادوا أن يكون لديهم كل شيء أفضل، وهذا يشمل الجمال.
لكن عندما نتحدث عن الجمال على المستوى الشخصي، فإن محاولتنا في تغيير أشكالنا لشيء لا يمت شكلنا الأصلي بصلة، إنما هو قبول بوعي أو بغير وعي فكرة أنك بحاجة إلى تغيير أنفسنا. طريقة انسدال شعرك، أو لمعان بشرتك ولونها، تغيير شكل رموشك و كثافتها، سيكون أجمل بالنسبة إليك إذا قضيت الوقت والمال لجعله مختلفا. فكيف نمكن أن ننهي الفكرة المسيطرة بأن نفسك الطبيعية ليست كافية؟ وهل فكرة الرفض لأي تغيير في شكلك منطقية ونحن نعرف أن الرغبة في الجمال فطرية؟
الحقيقة أنه عندما يصبح (الجمال الشخصي) كمقياس للقيمة، فهذا تشويه للإنسانية ولفكرة احترام الذات. فإن كان احترامك كشخص وقيمتك كإنسان مرتبط بالتغييرات التي تحدثها في شكلك لتقترب من شكل مثالي وضعه أحد آخر أيا كان، فهذا ظلم، فما بالك إن كان وضعها جنس آخر يختلف عنك ويعتبر نفسه أنه أفضل منك؟ من الأدعى هنا القيام بالثورة على كل هذه المعايير مبتدأ لإثبات حريتك وكينونتك المستقلة.