27/5/2020
مسيرة المتطوعين
انهضوا، يا من ترفضون أن تكونوا عبيدا
انهض لنبني بأجسادنا ودمائنا سورنا العظيم الجديد
لقد وصلت الأمة الصينية إلى أخطر العصور
ليضطر الجميع إلى أن يزأروا زئيرهم الأخير
انهضوا، انهضوا، انهضوا
كلنا متحدون
لنمضي قدما في مسار نيران مدفعية العدو
انهضوا، انهضوا و اندفعوا
هذا هو النشيد الوطني الصيني الذي قامت الاحتجاجات في هونغ كونغ ضد مشروع القانون الذي يقر بفرض عقوبة السجن لمدة تصل ٣ سنوات، على من يهينه، إضافة إلى حرمانه من ممارسة الأنشطة السياسية.
فضمن عناوين الأخبار الرئيسية اليوم، تم تسليط الضوء على اعتقال سلطات هونغ كونغ، الأربعاء، قرابة الثلاثمئة شخصا لمشاركتهم في احتجاجات ضد مشروع قانون “النشيد الوطني الصيني” الذي صادقت عليه الحكومة الصينية في ٢٠١٧ والذي تسعى بكين لفرضه على الإقليم شبه المستقل.وواجهت شرطة هونغ كونغ المحتجين بالقنابل المسيلة للدموع.
منذ حزيران الماضي، تشهد هونغ كونغ، المستعمرة البريطانية سابقا، أسوأ أزمة سياسية منذ إعادتها إلى الصين عام ١٩٩٧، وتمثلت الأزمة في اندلاع حركة احتجاجية ضد محاولة حكومة الرئيسة التنفيذية لهونغ كونغ، كاري لام، تمرير مشروع قانون مثير للجدل، يقر تسليم مطلوبين إلى الصين، وهو المشروع الذي تم سحبه رسمياً في تشرين الأول الماضي. غير أن الاحتجاجات استمرت ونادت بمطالب جديدة، بينها مزيد من الإصلاح الديمقراطي، وإجراء تحقيق مستقل في مزاعم لجوء الشرطة إلى العنف المفرط خلال الاحتجاجات، وإطلاق سراح المحتجزين دون شروط، وعدم وصف الاحتجاجات بأنها أعمال شغب، فضلا عن إجراء انتخابات مباشرة على منصب الرئيس التنفيذي.وباتت الشعارات الاستعمارية في بعض الدوائر رموزا للاحتجاج بحجة عدم الثقة في النظام القضائي الصيني.
لكن لنرصد المشهد كاملا، لا بد أن نعرف أنه وبعد أكثر من 20 عاماً على إعادة هونج كونج إلى الصين، لا تزال تجليات الإرث الاستعماري البريطاني راسخة في بعض الدوائر السياسية في هونج كونج، ونظامها القضائي، ولا تزال لندن تواصل التصعيد تجاه بكين بشأنها وتتدخل في شؤونها الداخلية.
فيما دخلت لندن على خط الأزمة مباشرة بتصريحات حادة من مسئوليها بزعم الدفاع عن حقوق سكان هونج كونج وحرياتهم، وصفتها بكين بأنها تدخل سافر في شئونها الداخلية. في الحقيقة هذه ليست المرة الأولى التي تتدخل لندن في الشئون الداخلية لهونج كونج التي تراها بكين منطقة إدارية خاصة تابعة لها. فهونج كونج هي جزءا من الصين منذ أقدم العصور، احتلتها بريطانيا منذ عام ١٨٤٢ وحتى عام ١٩٩٧ وعادت إلى سيادة جمهورية الصين الشعبية مرة اخري بعد أن سلمت بريطانيا هونج كونج للصين في ١٩٩٧ بموجب اتفاقية عام ١٩٨٤ التي نصت على أن تحافظ هونج كونج على حرياتها الواسعة النطاق والحكم الذاتي في ظل نموذج بلد واحد ونظامين.
لكن بريطانيا لم ترفع يدها نهائيا عن هونج كونج التي تتمتع باستقلالية في نظامها القضائي والتشريعي والاقتصادي، وهي لا تترك مناسبة تمضي من دون أن تؤكد مراقبتها تنفيذ تلك الاتفاقية والتي مهدت الطريق أمام عودة تلك المستعمرة البريطانية إلى الصين.
ما حدث مؤخرا هو اقتحام بعض المحتجين مبنى المجلس التشريعي المحلي في هونج كونج، كما وقعت حوادث عنف قبل عدة أيام، وبالتزامن مع تلك الأحداث أكد بعض الساسة البريطانيين بأنهم يؤيدون سكان المنطقة للدفاع عن حريتهم التي كسبتها بريطانيا في البيان المشترك مع الصين، وبأنه لا يجوز لحكومة منطقة هونج كونج الإدارية الخاصة استخدام أعمال العنف كذريعة “للقمع”. كما كرر وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت، الحديث عن “عواقب” إذا خالفت الصين التعهدات التي قطعتها بشأن الحقوق في هونج كونج عند عودة المنطقة إليها.
وفي المقابل ردت بكين بكل حسم على تصريحات وزير الخارجية البريطاني حول منطقة هونج كونج، بإن الصين استأنفت ممارسة سيادتها على المنطقة في أول يوليو عام ١٩٩٧، ونفذت الحكومة الصينية إدارتها وحكمها عليها وفقا للدستور والقانون الأساسي للمنطقة.
وأكدت على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية انه “بعد عودة هونج كونج إلى الوطن الأم، ليس للجانب البريطاني السيادة وحقوق الحكم والمراقبة للمنطقة، وان تصريحات الوزير البريطاني مجرد انغماس في عواطفه الخيالية وأحلامه الجنونية.
الساخر في الموضوع أن التصريحات البريطانية التي تتذرع بالدفاع عن الحريات والديموقراطية في هونج كونج هي ليست إلا نفاق بريطاني نموذجي، فأثناء فترة الاستعمار البريطاني في هونج كونج، لم يشاهد أهالي هونج كونج الديمقراطية أو حتى ظلها. فقد تم تعيين حكام متعاقبين لهونج كونج من قبل الحكومة البريطانية خلال تلك الفترة، ولم يكن لأهالي هونج كونج الحق في التصويت، ولم يكن القضاء مستقلا ولم يكن هناك شكل من أشكال الحرية والديمقراطية.
وفي الوقت الذي تنتقد فيه لندن بكين وتتوعدها بعواقب وخيمة بموجب اتفاقية ١٩٨٤ بزعم حق المتظاهرين وحريتهم في هونج كونج، على خلفية أزمة الاحتجاجات على مشروع قانون يسمح بتسليم المتهمين ليُحاكموا أمام القضاء الصيني، فأنها تناست بان الأمور لم تكن وردية عندما كانت هونج كونج واقعة تحت الاستعمار البريطاني، ففي عام ١٩٦٧ ثار سكان من هونج كونج على المستعمر البريطاني حينذاك وأسفرت أعمال العنف عن وقوع أكثر من ٥٠ قتيلا، وتزايدت الاعتقالات، كما أقدمت عناصر الشرطة على ضرب المحتجين.
ووصلت الإصلاحات الديمقراطية متأخرة ولم تكن سوى جزئية، كما يصف المؤرخ البريطاني جون كارول الذي سخر من مطالبة البعض بعودة هونج كونج إلى التاج البريطاني، نظرا إلى أن المملكة المتحدة حرمت شعب هونج كونج من حقوقه فترة طويلة.
فإذا كانت الدول الاستعمارية بعد خروجها من الدول التي استعمرتها، تدافع عن حق مواطنيها فيها بإهانة النشيد الوطني الذي لا يحمل في طياته إلا الافتخار بالوطن والتضحية من أجله بحجة الحرية المطلقة، فماذا ستفعل تلك الدول لحماية حقوق محتجين في دول أخرى غير هونج كونج، لم يستطيعوا التظاهر ضد نشيدهم الوطني الذي لا يمت إلى الوطن بكلمة، بل هو عبارة عن تمجيد لأذنابهم؟