أدهم صبري، الرائد نور الدين، سفاري، فارس الاندلس و معظم منشورات المؤسسة العربية للنشر، للمؤلف المبدع #نبيل_فاروق و #أحمد_خالد_توفيق، الذين لم يكتب أحد لجيل الشباب مثلهم، أذكر قبل أكثر من ١٥ عاما، كنت و أخواتي ننتظر الذهاب للعمرة كل عام لنشتريهم من مكتبة تهامة في جدة، ثم أصبحت تباع في كشك صغير في وسط البلد في عمان. كنا ننتظر العدد الجديد من كل سلسلة بمنتهى الشغف. كانت شيفرة التعارف بيننا و بين أصدقائنا، هل تعرف #رجل_المستحيل أم لا؟كانت الأعداد الجديدة بمثابة الكنز، كنا نتشاجر من سيقرؤها أولا. و كانت سهرة قراءة الاعداد الجديدة كل بضعة أشهر هي سهرة الأحلام، مع التحضير للمونة المطلوبة من الحلويات و المرطبات. و لا أنسى فرحة الأعداد الخاصة. و أذكر الكم الكبير من المعلومات الذي عرفته من الحواشي، كان عمري حينها ١٢ عاما، عندما بدأت أدمن على قراءتهم! حسن، كنت أعرف أن مصر ليست على ما يرام، و أن أدهم صبري ليس حقيقيا، و أنه لا يوجد شيء اسمه المخابرات العلمية. لكني كنت مستمتعة بفكرة البطولة، بالحبكات المحكمة، و العوالم الأخرى التي تنقلني إليها تلك الروايات. كنت أعرف أن المخابرات المصرية كان جل همها كيفية القضاء على الإخوان، و أن الموساد و الكي جي بي و السي اي ايه لم يكونوا ضمن أجنداتها حقا. ربما لأنهم ليسوا أعداءها اصلا. لكن كان عندي أمل!
أذكر أيضا المكتبة الكبيرة التي ما زالت باقية في منزل والداي حتى اليوم، في القاعة الكبيرة في الطابق السفلي، المحشوة بالكتب، تلك التي تحتوي على كل شيء، بدءا من إسطوانات بيتهوفن و موزارت إلى موسوعات تاريخ أمريكا و أوروبا و العالم، انتهاء بكتب التفسير و الفقه، مرورا بالروايات العالمية و المجلات الطبية و العلمية. هناك، حيث كنت أمضي الأيام و الليالي و أنا جالسة أقرأ، و سأعرج هنا تحديدا على الكتب للمؤلفين المصريين المختلفين، بدءا من #سيد_قطب و #المنفلوطي، وصولا إلى نجيب محفوظ و #طه_حسين و #توفيق_الحكيم و #يوسف_إدريس و صاحبة الجلالة في الزنزانة( قرأته و كنت صغيرة جدا لذلك لا أنسى العنوان). ولا أنسى العقاد و عبقرياته و #محمد_حسنين_هيكل و حرب الخليج و #مصطفى_محمود و #فهمي_هويدي و #محمد_عمارة و #المسيري و #بنت_الشاطئ و #أنيس_منصور، و غيرهم الكثير. طبعا لم يكن مسموحا لكل المؤلفين المصريين أن تكون كتبهم في المكتبة، مثلا #يوسف_سباعي، كنت أذهب لأقرأ له في مكتبة شومان بعد أن كبرت قليلا و كذلك #إحسان_عبدالقدوس، و هنا لا بد من أن أذكر الدكتور #نجيب_كيلاني، صديق الطفولة، ذلك المؤلف العظيم الذي يستحق التقدير، صاحب الروايات الرائعة، عمر يظهر في القدس، قاتل حمزة، رحلة إلى الله، النداء الخالد، و العشرات من الروايات الهادفة المبدعة، المؤلف الذي مات دون أن نعلم، و دون طنة و رنة و احتفالات تأبين و تكريم، و إني شخصيا لأجده يستحق نوبل كما استحقها #نجيب_محفوظ. لكن الكيلاني ليس له أولاد في حارته و لم يتحدث عن الله بقلة احترام.
ثم #عبدالرحمن_الأبنودي و كنت خايف البكا يدوّب رمشي، حتى ذابت عيوني، و أمسيات #أحمد_فؤاد_نجم في مجمع النقابات المهنية و ممنوع من الكلام ممنوع من الاشتياق ممنوع من السفر، حتى بات كل شيء ممنوعا. ثم أم كلثوم التي لم أحب لها سوى انتا عمري، ليخبرني أبي في آخر أيام حياته أنه كان أيام دراسته لامتحانات البكالوريا في بيروت قبل ٦٠ عامًا معتادا على سماع الأطلال لإبراهيم ناجي مغناة من قبل أم كلثوم مفضتله. لأتذكر يومها رواية قديمة قرأتها في #مكتبة_شومانمنذ ٢٠ عامًا ليوسف السباعي تحت نفس العنوان، بين الأطلال، و هي قمة في اليأس تماما كما مصر اليوم!
و بالحديث عن مصر، أنا لم أشاهد في حياتي كلها أي مسرحية للممثل #عادل_إمام و صحبه، لأنه لا يشرفني ذلك. و إنني لأعتبر فنه سقطة من سقطات مصر، ابتداء من مدرسة المشاغبين و حتى الآن، و إني لأشمئز كل الاشمئزاز منه و من مسرحياته و أفلامه هو و من معه. لأن فنه هو الذي ربى أجيالا على تحقير الدين و الاستخفاف به، و على الانحلال الأخلاقي و الصورة المهينة للمرأة.
ثم خلال رحلاتي لمصر مع والداي و أخواتي، أذكر تحديدا زيارتي الأولى و الأجمل، تلك التي كانت ضربا من الخيال، لست أتحدث عن المتاحف و الأهرامات، بل عن مكتبات مصر العريقة، و شوارع القاهرة العتيقة، و السيدة زينب، و شواطئ الإسكندرية و مكتبتها، و حتى حي الباطنية و سجن أبو زعبل الذين رفض مرافقنا أخذنا إليهم خوفا علينا. أذكر مطار القاهرة الذي كتب فيه في أعلى مكان ( ادخلوا مصر إنشاء الله آمنين) و المخاطب هنا بفتح الطاء في هذه الآية هم اليهود، فواعجبي!
ثم كبرنا قليلا، و جاءت ثورة ٢٥ يناير، تلك التي كانت خيالا علميا، كنت أقرص نفسي لأتأكد أنها لم تكن حلما، كنت أحمد الله أن جعلني أعيش تلك اللحظات التاريخية من حياة أمتنا، و بعدها كانت انتخابات الرئاسة، و فوز مرسي، كان الأمر غريبا لدرجة أنك تشك أنه كان حقيقيا! فالشعوب التي تعودت على الذل، كيف لها أن تستنشق رائحة كرامة، إنها لتكون أشبه بالغاز السام بالنسبة لها!
ثم، انهار كل شيء.. سقطت مصر سقطتها التاريخية، و سقط معها كل شيء، في قلبي و عقلي، سقطت قطعة كبيرة و غالية و ثمينة من ذكرياتي و من كياني، كنت أرجو أن أنقل هذا الإرث لأولادي! لم يبق حتى (جروبي) الذي كان يجتمع فيه المغامرون الخمسة، و لا مبنى المخابرات العامة في حدائق القبة، حتى أبشعها ليمان طرة قد تحول إلى عقرب! لم يبق شيء، سوى ابتسامة حزينة تتسلل إلى شفتي في مرات نادرة أسمع فيها عن أدهم صبري و رجل المستحيل. الذي أصبح حقا مستحيلا..!
مصر التي عرفت
