13/11/2018
جالسة في المقهى أشرب القهوة بالحليب (Caffe latte)، التي أفضلها بسبب كمية الحليب العالية فيها، فأنا لا أحب مرارة القهوة و حموضتها، لأنه غالبا ما تكون محمصة جدا حتى لتكاد تكون محترقة و أنا أفضل أن تترك القهوة في فمي طعما غنيا يرافقني في النصف ساعة اللاحقة. بدل أن احمل معي طعم المرار. فما في حياتنا يكفي!
أحب أن أتأمل الناس من حولي، و مما يلفت نظري دائما، أن الرجال الذين أعمارهم في نهاية الثلاثينيات و أوائل الأربعينيات، عادة ما يكونون كالمصابيح المعتمة. التي فرغ وقودها، و خفت نورها. إلا من رحم ربي. ترى أعينهم خاوية، و أرواحهم منطفئة . التجاعيد التي بدأت تحفر خطوطها حول أعينهم تحكي قصة أحلامهم المهشمة تحت بساطير الواقع.و يتشبثون بأسباب سخيفة و واهية للبقاء على قيد الحياة.
أما النساء، فيا وجع القلب يا بنات جنسي. فعادة ما يكن قد ذبلن و هن ما زلن في العشرينات، خاصة إن كن أمهات. فإن أنت قرأت القصص التي لا تحكيها الشفاه، ستعرف أن أحلامهن و رغباتهن قد وئدت منذ زمن بعيد، و عادة على يد الرجل، ذاته الذي يبكي شبابه بعد ١٠ سنوات، عندما ينتبه إلى أن كلمة مستقبل لم تعد ملكه.
و حسب السلم الإرهابي، كل يرهب من تحته بقدر ما يرهبه من هو أعلى منه. و مقياس التفاضل: القوة، بغض النظر عن تعريفها.
أصاب بحالة رعب عندما أتخيل أنني في يوم من الأيام من الممكن أن أصبح مثلهم..
يوسف بن تاشفين مثالي الأعلى الذي أضربه لكل رجل أو امرأة يعتبران أن مضى من العمر ما مضى. و ما فات أكثر مما هو آت. فقد أسس دولة المرابطين و هو في السبعين من عمره و قاد الجيوش و انتصر في معركة الزلاقة، أحد أهم المعارك في التاريخ الإسلامي و هو في التاسعة و السبعين. و إذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام!
أصبحت في الخامسة و الثلاثين، و ما زلت أحب صحبة الشباب، لأنهم أنقى و أقوى..
أخاف أن تطفئ الحياة روحي بدل أن أشعلها أنا.. و أخاف أن أفقد جذل الطفل إذا رأى ما أعجبه.. أخاف أن افقد نشوة الاكتشاف.. و سكرة الحب .. و قوة الاحتمال.. و الصبر على الوصول إلى الأهداف.. أخاف أن أفقد رغبتي الجامحة في أن أتمرد على كل شيء..و أن أثور حتى على نفسي.. أخاف على روحي من التهتك من قوة الرياح..أخاف أن أخسر نعمة الحرمان.. و هي أن لا أملك شيئا لأحافظ عليه. و أن لا أكون راغبة في شيء، حتى أكون حرة في أفعالي و قراراتي..
لا أريد أن أفكر مئة مرة قبل أن أفعل شيئا، بدل أن أتصرف بعفوية.. و أن أحسب كثيرا قبل أن أخاطر.
أخاف أن افقد شعلة الحماس.. و الاندفاع بدون وجل.. أخاف أن أنتظر ليالي الشتاء الباردة قرب المدفأة.. بدل أيام الصيف الحارقة التي تضخ الدم و الطاقة و الأدرينالين في عروقي تحت الشمس.. و أن أبدأ بالحنين إلى العودة للمنزل، بدل التوهان في شوارع الحياة!
أن أخسر الرغبة المجنونة في أن أجرب كل شيء و أي شيء. و أن أفقد الاستمتاع بالتفاصيل الصغير و الأشياء السخيفة. أن أتوقف عن الخروج في نهاية يوم متعب و مرهق لأشرب كوب القهوة التي أحب في أبعد مكان دون تردد أو تكاسل.
يا إلهي كيف من الممكن أن يكبر الإنسان في سنة واحدة ثلاثون عاما مرة واحدة؟هل هي الانتكاسات و خيبة الآمال في البشر؟ أم هي النجاحات؟ أم هي أن تبلغ أهدافك بسرعة أكبر من توقعاتك؟
أخاف أن يخونني جسمي كلما كبرت، و لا يعود كما كان. هذا الهاجس الذي نعتقد أننا إذا لم نتطرق إليه فإنه لن يحصل. كل من يدخل في عمر الثلاثينات يعرف هذا..
لكن أتذكر تيودور روزفلت الرئيس الوحيد للولايات المتحدة الأمريكية الذي تم انتخابه لمدة أربع مرات متتالية و توفي و هو في آخر فترة رئاسية له قبل أن تنتهي.و يصنف أنه الأعظم بين رؤساء أمريكا منذ تأسيسها و حتى الآن.
هذا الرئيس كان مقعدا ( بعد إصابته بمرض شلل الأطفال) في زمن كانت القوة البدنية و العضلية خاصة للرجال هي أساس التفاضل.
إن الشباب هو حالة نفسية و ليست مرحلة عمرية أو حالة جسدية!
فكم من شباب في بداية العشرينات تجد أرواحهم قد شابت. و كم من شيبان في الستينات تجد أرواحهم فراشات محلقة لا يوقفها شيء!
لكن أن تعرف في نهاية المطاف أنك تعيش على كوكب عمره أكثر من 5.4 بليون عام و أنك كإنسان موجود منذ 2.8 مليون عام. و أن تكتشف أن حياتك حتى لو بلغت ال100 عام بكل إنجازاتك و عظمتك و غرورك و جبروتك لن تكون سوى 0.0000357142 من حياة الإنسان على هذا الكوكب. ستعرف أنك لا شيء على الإطلاق بدون انتمائك للكل.
فأقرأ و ستعلم أن أناسا كثيرين عاشوا قبلنا، و عملوا كثيرا، إنك تعيش محمولا على المركب الذي ساهموا في بنائه. أنت لا تعلم عن مقدار التأثير الذي أحدثوه في هذا العالم الذي نعيش فيه. إنك لا تعلم مقدار الجهد الذي بذلوه حتى شق أنينهم عنان السماء.
كم تعب الناس ممن كانوا قبلنا لنرتاح؟ و كم علينا أن نتعب كي يرتاح من بعدنا؟ علينا أن نشتاق إلى الذين سيأتون من بعدنا، و علينا أن نعيش معهم أيضا، علينا أن نحمل هم العالم على ظهرنا، و أن نفعل ذلك و نحن نشعر القبول و الرضا و السرور بالجهود الصغيرة، البالغة الصغر، التي نبذلها فيما بيننا، مع كل الذين نستطيع أن نسمعهم صوتنا، و الذين يمكنهم أن يقرؤوا كتاباتنا. ينبغي أن نبذل جميعا جهودا لتضاف إلى الجهود التي بذلت من قبل، والجهود التي يبذلها الآن أناس لا نعرفهم،و لا نعلم عنهم شيئا، و لا يعلمون عنا شيئا، و لكن جهودنا ستلتقي، ستلتقي هناك، و ستصنع عالما
جديدا!